دراسة فى أشعار حسام العقدة حسام العقدة قبل وبعد 25 يناير بقلم الدكتور ماجد عبد القادر
كتب الشاعر الأديب حسام العقدة : البلياتشو وصلاح جاهين
البلياتشو وصلاح جاهين
.
قناع البلياتشو هو أحد أقنعة الشاعر صلاح جاهين الذى كان يختفى وراءه فلا يستطيع أحد محاسبته لينتج لنا رمزاً يستطيع المتلقى تلقيه كما يشاء ، لم يكن هجوماً متمرداً ولم يكن صامتاً وإنما كان يستخدم أقنعته الكثيرة
علقت فى المسمار قناع مهزلة
ومعاه قناع مأساه بحزن ابتلا
بصيت لقيتهم يشبهوا بعضهم
واهو ده العجب ياولاد وإلا فلا
عجبى !!
ورغم استيعاب رمز البلياتشو إلى حد ما لفلسفة جاهين الضاحكة الباكية إلا أنه كان أحياناً يمل منه أيضاً مثلما كان يمل من بقية الأقنعة التى لم ترضِ رحابة أفكاره الرشيقة
بلياتشــــــو قال إيه بس فايــدة فنونــى
وتلت وقــق مســـــــــاحيق بيلونونــــى
والطبـــــل الزماميــــر وكتــر الجعيــــــر
إذا كان جنون زبونـى زاد عـن جنونـى
عجبى !!
لا نستطيع أن نوجه إلى هذا البلياتشو أصابع الاتهام فلم يكن صامتاً وإنما كان يتكلم ويصرخ ويضحك ليفزع الخدم والحرس بنكاته اللاذعة المختبئة فى سترته وخلف المساحيق
أنــا قلبــى كـان شخشيخـة أصبح جرس
جلجلت بـــــه صحـــوا الخــدم والحــرس
أنــا المهرج ... قمتـوا ليــه خفتـوا ليــه
لافى إيدى سيف ... ولا تحت منى فرس
عجبى !!
لم يكن جاهين الوحيد من يختبىء وراء المساحيق فقد استخدم الشاعر فؤاد حداد قناعاً آخر "الأراجوز"
وأيضاً استخدم الرمز الكثير من الأدباء لظروف اجتماعية وسياسية ... إلخ ، وأيضاً استخدم لجمال الرمز نفسه واستخدمه جاهين ليداعب جمهوره ويداعب البهلوان
فى الهو ماشــى يا بهلوان إش إش
يا فراشــــة منقوشــة على كل وش
شــــقلبت عقلــى وعقلــى شــقلبنى
وكنت بحسبنى ... بقيت ما اندهش
عجبى !!
تختلط علينا أقنعة جاهين وتكثر لدرجة أننا لانستطيع التفريق بالضبط إن كان هذا قناعاً أم وجهه الحقيقى لدرجة أنها تختلط عليه هو نفسه فكل الأقنعة صادقة تماماً
مهبوش بخربـوش الألــم والضيــاع
قلبى ... ومنزوع م الضلوع انتزاع
يا مرايتى ياللى بترسمـى ضحكتــى
يــا هلتــرى ده وش والا قنــــــــاع
عجبى !!
نعم كان مهرجاً يضحك لتتعرى أنت أمام نفسك ويظل هو مختبئاً وراء زركشته لكى يحتفظ بـ "كتر الجعير" أطول مدة ممكنة ، فهل يلتصق القناع بوجهه هذه المرة ... ؟
بين موت وموت ... بين النيـران والنيـران
عـ الحبـــــــل ماشــيين الشجــاع والجبــان
عجبــى عــلادى حيــــــــاه ... ويــا للعجب
إزاى أنـــــــا يــاتخيـــن بقيت بهلــــــــوان
عجبى !!
هل يتعجب هو أنه أصبح بهلواناً يعلم كل من يستطيع أن يندهش وكل من يستطيع أن يضحك ويبكى ... أم نتعجب نحن ... عجبى !!
بقلم : الباحث الأديب حسام العقدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نُشرت هذه الدراسة للشاعر المبدع حسام العقدة فى الصفحة الأدبية بمجلة حواء المصرية العدد 2222الصادر فى أبريل 1999إشراف الأستاذ عبد الله العفيفى
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إقرأ أيضاً للشاعر الأديب حسام العقدة (الرباعيات بين الخيام وصلاح جاهين)ـ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الرباعيات بين الخيام وجاهين
الرباعيات بين الخيام وجاهين
.
فاقت شهرة الخيام (شاعراً) على شهرته عالماً رياضياً فلكياً ... بما أحدثته رباعياته من أثر عميق فى وجدان الغرب والشرق على السواء ، فقد ظلت محور جذب حقيقى لكل مبدع أو مفكر أو متصوف ، ينهل منها مايشاء ... ويضيف عليها من رؤيته الخاصة
فقد ظلت شهرة الخيام لعصره والعصور التالية مقصورة على نبوغه فى الرياضيات والفلك ... حتى بداية القرن التاسع عشر حيث عرفت رباعياته ، وقد اختلف فيه الناس ... فمنهم من زعم إنه فيلسوفاً مادياً ... وإنه نظر إلى الوجود نظرة الكأس والخمر ... ومنهم من رآه صوفياً يتغزل فى الخمرة وهو يعنى بالذات الإلهية شأن المتصوفة
لبست ثوب العيش لم أستشــر
وحرت فيـه بين شـتى الفــــكر
وسوف آنضو الثوب عنى ولم
أدرك لماذا جئت ... أين المفر.
وقد كتبت لرباعياته الشهرة حينما ذكرها لأول مرة "توماس هيد" الانجليزى عام 1700 والتى ترجمت بعدها إلى الفرنسية ولغات أخرى ليقع فى غرامها شعراء الغرب والشرق على السواء
أما فى العربية فقد ترجمت ونقلت عدة مرات ... وأشهر من ترجموها : وديع البستانى ـ محمد السباعى ـ أحمد رامى ـ أحمد زكى أبو شادى ـ بدر توفيق ... وغيرهم
وقد نقلت أيضاً رباعيات الخيام بعالمها إلى اللغة العامية على يد الشاعر "حسين مظلوم رياض" فى كتابه الذى صدر عام 1944
ويعترف مظلوم نفسه فى مقدمته أنه "إنما أراد إخراج رباعيات الخيام وسطاً بين الفصحى العالية والشعبية الدارجة"
وقد اعترف أيضاً أنه قرأ ترجمة رامى التى صدرت فى طبعاتها عام 1924 ،1931 كما قرأ الصراف والسباعى والبستانى وأنه حاول أن يقابل ماكتبه على ترجمتهم بقدر الإمكان
ويبدو أنه قد فهم الخيام ـ على حد قول الدارسين له ـ فهماً صحيحاً فقد أثار الخيام قضايا ليس لها جواب فى رباعياته مثل سر الوجود والبعث والنشور التى أطال فيها الحديث ...
يقول رامى فى رباعياته :
سمعت صوتاً هاتفاً فى الســحر
نادى من ألحـان غفــاة البشــر
هبوا املأوا كأس الطلى قبل أن
تفعم كأس العمــر كــف القـــدر.
ويقول مظلوم فى خماسياته العامية :
نبــــه النايـــم علـــى فــــرش الأمـــــــل
كــام أمــل فــى حلــم تفســــيره الأجـــل
فـــــوز بكأس الصفــو دى الأيـــام دول
والحياه يومين سرور يوم ... وارتحال
بعـــد كأس الأنــس يـــوم كــأس القــدر.
ولقد حاول "بيرم التونسى" وربما "فؤاد حداد" أن يطرقوا باب الرباعيات فى أشعارهم لكنها كانت رباعيات من إبداعهم هم فى ضوء عصرهم الذى عاشوه وربما استمدوا الكثير من تجربة الخيام وروحه ... ولكنهم لم يكونوا "خيامين" فى رباعياتهم
ومن أبرز من كتب الرباعيات الشاعر "صلاح جاهين" الذى تأثر برباعيات الخيام أيضاً ... يقول صلاح جاهين فى رباعياته :
عجبى عليك عجبى عليك يا زمن
يا بو البدع يا مبكى عينـى دمـــاً
إزاى أنا أختـار لروحى طــريــق
وأنا اللى داخل فى الحياة مرغماً
عجبى
ويقول أيضاً :
مرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل
لا دخلتهـا برجليا ولا كـان لــى ميــل
شـيلينى شـيل دخلت انا فـى الحيــاه
وبكـره حاخـرج منهــا شيلينـى شيـل
عجبى.
ولكن سرعان ما خلع جاهين الرداء "الخيامى" ليتفجر هو ويملأ كون الشعر بقطع غير متشابهة من أحاسيسه والتى شهد لها شعراء الفصحى والعامية على السواء أنها تختلف عن الرباعيات السابقة بل وتتفوق ... بما احتوته من تعدد مستويات التلقى :
يا عندليب ما تخفش من غنوتك
قول شكوتك واحكى على بلوتك
الغنـــوه مش حتمـوتـك ... إنما
كتم الغنا ... هوه اللى حيموتـك.
ففى الوقت الذى احتبس فيه الخيام بين الخمر والبعث والقدر ... كانت طفولة صلاح جاهين تعبث بكل مايقابلها وتحاول مشاهدته وربما كسره حتى لايشاهده غيرها حتى لو استخدم نفس المفردات :
رقبــــــــة إزازه وقلبــى فيهــا انحشـــر
شربت كاس واتنين ... وخامس عشـر
صاحبت ناس م الخمره ترجع وحـوش
وصاحبت ناس م الخمـره ترجـع بشـــر
عجبى.
وترجع عظمة رباعيات جاهين إلى رشاقته الذهنية الحادة التى جعلته ينتقل بين الفلسفات والأفكار والأماكن والأشياء بشكل طبيعى :
ورا كل شـــباك ألف عيــن مفتوحيــن
وانا وانتى ماشيين يا غرامى الحزين
لو التصأنــا نمـــوت بضربـــة حجـــر
ولــــو افترقنــــا نمــوت متحصـريــن
عجبى
فإنه حينما يتعامل مع القمر فإنه يختلف عن باقى الشعراء فلا ينظر إليه فقط ولا يتمنى أن يمسه فقط وإنما يقفز أيضاً :
أنـــا إللــــى بالأمـــر المحـــال اغتـوى
شفت القمر ... نطيت لفوق فى الهوى
طلتـه ما طلتــوش ... إيه أنـا يهمنــى
وليـــه ... مـدام بالنشــوه قلبى ارتوى
عجبى
وكما وقع بعض الشعراء فى رباعيات الخيام فى الماضى فقد تأثر أيضاً معظم شعراء العامية المعاصرين برباعيات جاهين ، وقد يستشعر هذا المتذوق العادى حيث تجد أحدهم يقف فى ذات الأماكن التى وقف بها صلاح جاهين ويتحدث عن نفس الشىء بنفس الفلسفة
الباحث الأديب : حسام العقدة
......................................
ـ المراجع : مجلة القاهرة العدد 104 مارس 1990 ، مجلة ابن عروس مارس 1993، رباعيات الخيام (ديوان أحمد رامى)ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نُشرت هذه الدراسة للشاعر الأديب حسام العقدة فى النشرة الأدبية لعام 1995 التى صدرت عن نادى الأدب بجامعة المنصورة
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
إقرأ أيضاً للشاعر الأديب حسام العقدة (البلياتشو وصلاح جاهين)ـ
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،